اقتصاد الضاحية الجنوبية بعد الاغتيال
بقلم الصحافية نرجس خشيش
منذ عام ٢٠١٩، ولبناننا ليس بخير، تملأ أجنحته الجراحات، وتتناثر حول ارزه الازمات المتتالية،.
بداية بثورة تشرين التي كان من المفترض ان تقلب الموازين للافضل، مرورا بـ وباء كورونا الذي ذهب ضحيته الكثير الأعزاء والاحبة، وصولا الى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي من حوالي 1500 ليرة (1507.5) لكل دولار ما قبل الأزمة إلى حدود 89 ألف ليرة حاليًّا، وبالتالي فقدت القدرة الشرائية لليرة اللبنانية حوالي 98% من قيمتها، وانخفضت قيمة رواتب الموظفين مما أثَّر على التوازن الاجتماعي؛ إذ تقلصت نسبة الطبقة الوسطى من 70% إلى نحو 30-40%(2). كل ذلك أدى إلى زيادة أسعار السلع الغذائية والخدمات الطبية والاجتماعية وغيرها. مما أثقل كاهل المواطن اللبناني.
رغم كل هذه الظروف السلبية، إلا أن التوقعات كانت تشير إلى تحسن اقتصادي يلوح في الأفق.
وما أن شارفت سنة ٢٠٢٣ على الانتهاء على بعض التحسنات، قدم تشرينٌ آخر على لبنان ليغير المعادلة نهائيا.
ففي الثامن من تشرين الأول، دخل لبنان كجبهة اسناد للمقا’ومة الفلسطينية في غزة ضد العدو الإسرائيلي. مما جعل الاخير يقوم بالإغارة على غالبية المدن والمناطق الحدودية، ونجم عن ذلك تدميرا للبيوت والمؤسسات والمحال، وحرق ما يزيد عن ٨٠٠ هكتار من الأراضي الزراعية في جنوب لبنان. فقد ثقب الع٠و الاقتصادي بافعاله الوحشية هذه عجلة الجنوب الاقتصادية، وخصوصا الزراعية منها، التي تمثل ٢١.٥ من الناتج المحلي.
ولكن في المقلب الآخر، ازدحمت الضاحية الجنوبية لبيروت، ونشطت الحركة الاقتصادية فيها، بسبب النزوح من الجنوب اليها. فالكثير من هذه العائلات اعادوا فتح مصالحهم التجارية هنا، أو بدأوا العمل من جديد لتأمين احتياجاتهم.
ولكن في الواحد من آب، تم كسر المعادلة القائمة التي حددها أمين عام حز’ب الله السي’ د حسن نصر’الله لإسرائيل، أن تل أبيب مقابل الضاحية.
وبكل غباء وجنون، قام السلاح الجوي للكيان الصهيوني بقصف مركز من مراكز الحزب في حارة حريك، مما أدى الى ارتقاء العديد من الشهداء ومن بينهم القائد الجهادي الكبير في حز’ ب الله السيد فؤاد شكر “السيد محسن”.
أغلقت المحال، استنفر المواطنون في الضاحية، واخلى بعضهم منازلهم خوفا من نشوب الحرب إثر هذه الضربة.
وبسببها تغيرت الحركة الاقتصادية في الضاحية.
ساد جو من الحذر والترقب في أرجائها، وشهدت المحال التجارية انخفاضا في عدد الزبائن بنسبة ٢٥٪. الا ان شعب الضاحية الذي عهد الوقوف على قدميه سريعا، عاد الى حياته الطبيعية بعد عدة ايام، مع اتخاذ الحيطة والحذر، فهذا فعلٌ عقلائية بحت.
بعد النزول الى الشارع ومعاينة بعض المحال التجارية كالمطاعم والقهاوي والصيدليات والسوبر ماركات ومحال الالبسة كانت النتيجة على الشكل التالي:
– السوبر ماركات لم تشهد انخفاضا بعدد الزبائن انما شهدت تغيرا بنوعية السلع المباعة، فاقتصر الاستهلاك على المواد الأساسية وانخفضت نسبة مبيع المواد الثانوية كالسكاكر.
السوبرماركت التي كان يقصدها الناس من أماكن بعيدة كل يومين، صاروا يزورونها مرة واحدة في الأسبوع للتموين على مداره.
شهدت الصيدليات مبيعا كبيرا للحفاضات والحليب، وزيادة نسبية بشراء الأدوية الدائمة والمزمنة، إلا أنها لا تنبئ عن كارثة قادمة.
انخفض عدد الوافدين على المطاعم والكافيهات نسبة للأيام السابقة بشكل ضئيل، وزادت طالبات التوصيل الى البيوت
فنشطت حركة الديليفيري في الضاحية.
“الدنيا قايمة قاعدة والصبايا عم يجيبو
dresses جداد حتى ما يلبسو نفس القطعة يومين ورا بعض”
هذا كان جواب احدى الزبونات في محل للألبسة النسائية التي كانت تقوم بالتبضع في أرجاء الضاحية الجنوبية.
وقد قال احد الشباب الذي كان زبونا لاحدى عربات الطعام تحت جسر المشرفية:” عادي انا عم بطلع كل ويكآند عالجنوب وعم بنزل عشغلي عادي وهيانا عايشين ما في شي بيهزنا، حتى جدار الصوت صرنا نفقدوا اذا شي نهار ما طلع… صحيح نحنا بازمة، بس نحنا شعب منحب الحياة وما في شي بيمنعنا نعيشها”.
مع كل هذه المتغيرات في الضاحية إلا أن هناك مصالحٌ تجارية تفتح جديدا للإنتاج والاستهلاك، ويتوافد إليها الزبائن ليجربوها، مثل عربة عصير فتحت في الثاني من اب، مباشرة بعد ضربة الحارة، والشابة العاملة هناك أكدت أن الزبائن يترددون الى العربة ليشربوا العصير يوميا.
إذًا، الرفاهية وحب الحياة موجودتان في جينات الشعب اللبنانية وخصوصا اهل الضاحية الصامدون فيها
صحيح أن حركة السير قد انخفضت بنسبة ٤٠٪ وكذلك العجلة الاقتصادية الى ٣٠٪ الا ان اصحاب المحال لم تقفل أبوابها المستهلكين مازالوا يتوافدون لشراء احتياجاتهم فمنهم من يقتصر على الضروريات والأساسيات، ومنهن من لم يتأثر بالمجريات وما زال يعيش حياته بشكل طبيعي.
خلاصة هذا البحث، أن سكان الضاحية مازالوا فيها وانما اغلبهن يلتزم بيته إلا للعمل والضرورة، والبعض الآخر لا يهمه شي، يعيش كل يومٍ بيومه
ووقت الحدث الأمني تهدأ الحركة وتغلق العديد من المحال أبوابها ويلتزم الناس بيوتهم للحفاظ على حياتهم، ولمراقبة للوضع الأمني، وفي اليوم التالي تعود حركة السير والعجلة الاقتصادية إلى طبيعتها.