الراشدة القاصرة.. فريسة نزوة شرعية بـ “لا دين” / كتب الشيخ حسن حمادة العاملي
بابتسامة ملؤها الحزن والأسى، وبتسريحة شعر يتيمة عطشى للمسة أم.. وحنان أم.. وحضن أم.. وبتنهيدة كبيرة تُخفي خلفها آلاف الحسرات والغصّات.. متمرّدة على واقع مرير لم يكن سببه الوحيد غياب الأب المرشد، والضابط، والمربي.. والأخ الناصح، والصديق.. والأم المعطاء، والحنون…
كأنّي بها تنظر بعين القهر إلى عالم لئيم، حيث مستقبلها المظلم والأليم… شكراً لأنك استقبلتني.. قالت بمضض، وعندما طرحت عليها سؤالاً، نظرت اليّ باستغراب.. لتقول: “أأنا أجيب؟؟!” كأنّها لأول مرة يُطرح عليها سؤال!! أو أنها لأول مرة يُسمح لها بأن تجيب!!
كأنها كانت تعيش في كهف غريب عجيب، لا تجده حتى في الأساطير، والروايات، والخرافات.. هناك حيث تأكل الوحوش البشرية البشر… حيث تقتل الذكورة براءة الطفولة.. وحلم القاصرات على مسرح الدياثة، بنزوة شرعية بطلها شاب أخرق… ومعمم لا يخاف الله…
رهف (الاسم مستعار) ابنة 18 سنة “عالقد” -كما عبّرت- لم تنقذها براءتها وابتسامتها من أنياب وحوش افترست جسدها ومستقبلها باسم الدين، والشرع، والحب، والإعجاب، والزواج.. بعد أن أقنعها أمجد (الاسم مستعار) بأن تخرج معه “خطيفة” وهي طبعاً وافقت دون أن تفكر حتى.. وكيف لا وقد شعرت للحظة أن هناك من سيخلّصها من قمع أب جائر، وسطوة أخ ثائر، لتقع ضحية معمّم فاجر، وزوج عاهر يفتقد إلى الرجولة، والمروءة، والشرف… وهو ما بدا جلياً من جوابه عندما سألته عن سبب الطلاق.. حيث قال بوقاحة: “يا مولانا كنت محبحب وقتها ومش واعي”… سألته: “وكيف ذلك؟ ألم يسألك مجري العقد عن والد الفتاة؟ ألم يلاحظ أنك مخدّر؟؟” فأجاب: “لم يسألني سوى عن 100 دولار أمريكي ثمن العقد”!!!…
100 دولار أمريكي باع فيها معمّم دينه، وضميره، وفتاة لا راشدة لشاب غير كفوء… فحكم عليها بالضياع.. ومن قال أن مجرّد بلوغ سنّ الـ 18 رُشد؟ وكم من راشد عمراً.. قاصر عقلاً؟؟
ألم يلحظ العاقد فتوى المرجع الأعلى السيد علي السيستاني التي تنص: “يشترط للتزوّج بالفتاة البكر مسلمة أو كتابية موافقة أبيها أو جدها من طرف أبيها اذا لم تكن مستقلة في شؤون حياتها ومالكة لأمرها”…
سألتها عن أبيها، فأجابت: “أبي لا يكلّمني”… فقلت: “ماذا عن أخيك؟” فتدخّل الزوج وقال: “عيلتها معاديتها، في مشاكل من زمان، قبل ما آخذها… هي أصلًا ما كانت ساكنة معهم…”
قلت لها: “هل ما زلت تتعلمين؟” قالت: وصلت إلى صف التاسع الأساسي ثم انتقلت إلى التعليم المهني لكن… وأطرقت، كإمرأة سبعينيّة وقالت: “عالمشاكل بطّل يفرز راسي…”
سألتها: “هل تسمحين لي بأن أكلّم إحدى الجمعيّات المعنيّة لتقديم المساعدة؟” رفضت ذلك بعد أن رسمت على وجهها ابتسامة صفراء.. فألحّيت عليها دون جدوى…
فقلت لها: “إلى أين ستذهبين”؟ قالت: “لست أدري!!” أمسكت نفسي عن البكاء، وتمتمت في قرارتي: “كيف لأب أن يعادي ابنته؟ كيف تسمح له غيرته بأن تتشرّد عرضه في الأزقة، والطرقات؟ تتناولها أيدي السكارى والمخمورين والمخدّرين؟؟ كيف استطاع أن يحكم عليها بالضياع؟؟ أليس الضياع أشدّ من القتل؟”
لست أدري أين ضاعت الأبوّة والأخوّة والدين والضمير؟ ولست أدري ما هو مصير تلك الفتاة الفاقدة عذريّتها، وزوجيّتها، وقبل كلّ ذلك… أسرة بالاسم كانت أهلاً لها؟؟ كل ما أدريه أنها ليست الأولى ولا الأخيرة… وأن مجتمعنا ليس بخير…
ومن وجهة نظر دينية : يعتبر أستاذنا العلاّمة الشيخ محمد علي الحاج العاملي في كتابه (تزويج القاصرات وجهة نظر دينية) إن وجود رأي الأب، مع كونه لا يمكن أن يرضى بأذية ابنته، يعني أنه لا يوافق على زواجها وهي في سن غير مناسب للزواج .
فالزواج ليس لإشباع الشهوات للجنسين فقط يؤكد العلامة العاملي، ولو أن هذه إحدى أهدافه، لكن هناك أمر أكثر أهمية حيث أنه يترتب مسؤولية كبرى على الزوجة حينما تصبح في موقع الأم، لأنه حينها عليها مسؤولية التربية والتنشئة…
فالمحذور برأي العلامة العاملي هو حصول الزواج في فترة لا يكون الزوجان مؤهلين أو يكون زواجهما في فترة مراهقة فقط.
يتابع العاملي : طبعاً الجنس حاجة أساسية للكائن الإنساني، لا يجوز تجاهلها، كما لا يجوز كبتها، وفي نفس الوقت ينبغي أن لا نقزّم “الزواج” كي يكون هدفه بحت جنسي..
وختم سماحته بنصيحة وجهها للفتيات: نصيحة لكل فتاة أن لا تُقدِم على إنشاء علاقة زوجية ليس قبل نضوجها الجسدي فقط، بل حتى تكتمل شخصيتها العلميّة، وحتى تصبح بمستوى قادرة على تحمّل مسؤولياتها في الحياة كاملة، حتى ولو أضحت من دون زوج.