المرأة مرآة المجتمع وعماده/ الشيخ حسن حماده العاملي

المرأة مرآة المجتمع وعماده/ الشيخ حسن حماده العاملي

هي مرآة المجتمع وعماده، هي الروح الجميلة التي تحيطنا بعنايتها، وتشملنا بصلاتها ودعائها، وترافقنا بابتسامتها، وتضحي لأجلنا بصحتها وسعادتها، بل بكل شيء… هي المرأة، الكائن اللطيف، العظيم في عطاءاته، الغريب في مشاعره وعواطفه، الشرس في الدفاع عن أسرته وأحبّته .
المرأة التي اقتضت الحكمة الإلهية أن تختصّها بصفات تمتاز بها عن الرجل، لتنعكس إيجاباً على أدائها الأسري. فهي كوكب ممزوج بالعاطفة والحنان والحب والغيرة والإيثار والتضحية والإخلاص… حيث تتجسّد المشاعر الجيّاشة لتفصح عن عظمة الجدّة الحكيمة والعطوفة، والأم المضحّية المعطاء، والزوجة المخلصة المصونة، والأخت الحنونة، والإبنة البارة بوالديها.
يمرّ يوم المرأة العالمي هذا العام في الثامن من آذار والمرأة ما زالت تعاني من أبشع أنواع الاستغلال والتعنيف والإهمال والحرمان –إلّا ما رحم ربي- وعوضاً عن معالجة المشكلة الأم (الجهل) التي تتشعّب منها التجاوزات المستمرة منذ قرون على النساء. نجد أغلب المعنيين يتلهّون في معالجة الأسباب دون المسبّبات، ملقين باللّوم دائماً على المرأة لئلّا يجرحوا كبرياء الرجل وعنجهيته –على سبيل المثال لا الحصر- فعوضاً عن معالجة غيرة المرأة وشكّها امنعوا خيانة الزوج لها، وعوضاً عن معالجة نفورها حاربوا الإهمال، وعوضاً عن معالجة الصوت المرتفع عالجوا الابتزاز والاستفزاز، بالمختصر عالجوا الجهل القاتل الذي يفتك بالنفوس والعقول قبل الأسر والبيوت. فتصرفات المرأة غالباً تكون ردّة فعل على تصرف غير مسؤول من رجل –جاهل- مفترض أنّه قيّم عليها، وربّ أسرة، خاصة إذا حاول اقصاءها عن دورها المنشود.
وقد يعتقد أنه باقصائها عن دورها الطبيعي وبمنعها من حقوقها التي منحها الله لها يحجّمها ويقلل من قيمتها، وواقعاً إنما يقصي نفسه ويدمّر أسرته ويسعى في خراب بيته. لأن وراء كل أسرة متماسكة، متفاهمة، ناجحة، مميزة، إمرأة متفانية، مجاهده، تكدح ليل نهار في سبيل أسرتها. أيًّ كانت هذه المرأة سواء كانت أمًا أو زوجة أو أختًا أو ابنة.
فالمرأة مرآة المجتمع وعماده، متى ظُلمت ظُلم، ومتى اضطُهِدت اضطُهِد، ومتى قُمعت عَمَّ الجهل والفساد، ومتى انصِفَت وعُزِّزت مكانتها تطور وازدهر، وأمّا الرجل فلا تكتمل رجولته بغير انوثتها والعكس صحيح فلولا الرجل لما كان للأنوثة معنى، ولو وجد فيها عيباً فليتأكد من أنها مرآته أي إنما تعكس صورته. وليتذكّر دائماً أنّ التي ربّته وسهرت عليه يوماً امرأة (امه)، والتي قلقت عليه يوماً امرأة (اخته)، والتي شاطرته حياتها امرأة (زوجته)، والتي ستحمل همه طول العمر امرأة(ابنته). فليكرمهن فعن رسول الله (ص) أنه قال: “انما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”.
وشقائق الرجال أي نظائر الرجال وأمثالهم في الأخلاق والطباع والأحكام. وهذا يعني أنهن مثيلاتهم فيما شرّع الله، وفيما منحهن تعالى من النعم، إلا ما استثناه الشارع فيما يتعلق بطبيعة المرأة، وطبيعة الرجل، بينما خصّ المرأة بشيء، والرجل بشيء، والأصل أنهما سواء. وهو ما بيّنه القرآن الكريم قاطعاً الطريق على كل مشكك يدّعي أن الاسلام ظلم المرأة حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13.
في يوم المرأة العالمي، نستذكر أمّنا حواء، المرأة الشريفة التي ساهمت وزوجها نبي الله آدم في بناء البشرية، والتي لطالما طالتها ألسن البشر بالكذب والافتراء، نستذكر أم كليم الله موسى (ع) واخته وامرأة فرعون لدورهن الجليل في الحفاظ على نبي الله موسى ورسالته، نستذكر هاجر زوجه نبي الله ابراهيم (ع) وصبرها وجهادها بالحفاظ على ابنها ذبيح الله اسماعيل (ع)، نستذكر مريم العذراء المشرّفة (ع) والدة السيد المسيح (ع)، نستذكر السيدة خديجة زوجه رسول الله (ص) وفضلها في قيام الإسلام، نستذكر فاطمة السيدة فاطمة الزهراء (ع) حبيبه رسول الله وبضعته ومواقفها الرسالية العظيمة، نستذكر زينب بنت علي (ع) بطلة كربلاء، نستذكر كل تلك النسوة اللواتي كرمهن الله تعالى في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله العظيم (ص)، نستذكر كل أم، وكل زوجة، وكل أخت، وكل ابنة، تعبت وسهرت وربّت وضحّت وعانت وتعذبت وجاهدت وناضلت في سبيل أسرتها وعائلتها والمجتمع والأمة.
ونحن إذ نناشد الجمعيات الخيرية، والمنظمات الحقوقية والأممية اللبنانية والدولية، الدفاع المسؤول والعقلائي عن المرأة من خلال تأهيلها ثقافياً وتربوياً ونفسياً. آملين أن يولوها اهتماماً خاصاً من خلال نشر الثقافة المجتمعية والتوعية الزوجية، لنحافظ على الأسرة التي لا تصان إلا بزوجين صالحين يدركان معنى الزواج والأسرة والمجتمع وبالتالي يعرفان قيمة كل منهما –أي الرجل والمرأة- عندما يقومان بالدور الموكل إليهما عندها فقط نكون قد أعطينا المرأة كامل حقوقها.