سوريا الجديدة بلا سوريا/ كتب الشيخ حسن حماده العاملي
لم يكد يتنفّس اللبنانيون الصّعداء بعد السقوط المريب لنظام الأسد في سوريا والذي دام في الحكم لأكثر من خمسة عقود حتى بدأت تتكشّف ظلامية المرحلة القادمة مع ما تحمله في طيّاتها من مخاطر داهمة تمثّلت بدمج جماعات إرهابية مرتزقة بالدولة السورية الجديدة بل وتبوّء بعضهم مراكز حسّاسة واستراتيجية فيها، ليس آخرهم الجندي المنشق من الجيش اللبناني منذ العام 2014 عبدالله شحادة الذي تعيّن مديراً للمخابرات السورية في حمص والساحل السوري إذ تم ترفيع التركي عمر محمد جفتشي إلى رتبة عميد، والأردني عبد الرحمن حسين الخطيب إلى رتبة عميد والمصري علاء محمد عبد الباقي إلى رتبة عقيد. ناهيك عن الأحداث الدامية التي جرت على الحدود الشمالية الشرقية اللبنانية اثر التعديات الارهابية السافرة من قبل عناصر هيئة تحرير الشام على القرى السورية العزلاء الآمنة التي يقطنها لبنانيون معظمهم من حملة الجنسيتين (اللبنانية والسورية) وهي 17 قرية ومزرعة بينها حاويك والسماقيات، ووادي حنا، وبلوزة، وزيتا، وسقرجا، وغوغران، وبرج الحمام. حيث قاموا بحرق عدد من البيوت بعد نهبها وسلب أصحابها بل وقتل عدد كبير منهم ذنبهم الوحيد انتماءهم الديني وهو ما بدا جليّاً بعدما بسطت العناصر سلطتها على بعض تلك القرى ، حيث قام البعض بنشر فيديو يحتوي عبارات استفزازية تعصّبية مقيتة يوثّق تغيير الآذان في مسجد بلدة حاويك ما أثار حفيظة العشائر العربية -أبناء المنطقة- الذين يقطنون فيها ويمتلكون أراضٍ زراعية منذ عقود. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على إيديولوجية الدولة السورية الفتيّة.
سوريا التي كانت منارة للعلم والأدب والثقافة ومنطلقاً للحضارة ومهداً للعلماء والمفكرين والمثقفين بفضل تاريخها وموقعها الاستراتيجي المتميز والتي أغنت العالم بإرثٍ ثقافي وحضاري كبير باتت اليوم مهددة بفقد هذا الارث العظيم بسبب الوضع الأمني المزري خاصة في ظل نشر الإرهاب اللّا ديني واللّا إسلامي بل واللّا أخلاقي، وتنفيذ الإعدامات الميدانيّة الانتقاميّة والترهيبيّة، وانتهاج أساليب الخطف والقتل وسياسة كمّ الأفواه، والتهمة جاهزة ومشروعة –بزعمهم- إمّا كافر وإمّا فاسق أو من فلول النظام السابق.
والشواهد كثيرة منها ما تم الإعلان عنه، وما خفي أعظم وأخطر فمن خبر العثور على عالم الكيمياء العضوية الدكتور حمدي إسماعيل ندى (والذي يُعدُّ من أبرز العلماء في مجاله، وله إسهامات كبيرة في تطوير الأبحاث الكيميائية على المستويين المحلي والدولي) مقتولاً في منزله في العاصمة السورية دمشق يوم الثلاثاء 10/12/2024. واغتيال عالمة الذرّة والبيولوجيا الدكتورة زهرة الحمصية في منزلها على يد مسلّحين مجهولين الأربعاء 11/12/2024 ، إلى خطف الأكادميّة والناقدة الأدبيّة وأستاذة الأدب العربي في جامعة حمص وعضو اتحاد الكتّاب العرب الدكتورة رشا ناصر العلي يوم الثلاثاء 21/1/2025 على يد مجهولين، وكانت العلي قد ظهرت قبل أيام من اختطافها في مقطع فيديو تقول فيه أنها ترفض أن يفرض عليها عادات لا تتقبّلها.
هذا فضلاً عن مطاردة آخرين، خاصة علماء الكيمياء والفيزياء واغتيال عدد منهم بدم بارد، وتدمير مراكز علمية و معاهد أبحاث وإغلاق معاهد الموسيقى (كمعهد «صباح فخرى للموسيقى»، وهو المعهد الموسيقى العريق الذى تأسس عام 1958 ويعد من ضمن أهم معاهد الموسيقى ليس فى سوريا فحسب ولكن فى الوطن العربى، وأطلق عليه اسم المطرب الكبير «صباح فخرى» عام 2006 ويردد نشطاء سوريون أن المعهد تحول إلى مسجد) وتحريم السينما والمسرح والرسم والنحت، ومضايقة الفنانين ومطاردتهم وضربهم، (ما تعرض له الفنان عبد المنعم عمايرى من الضرب فى حي المزة في دمشق). إضافة إلى الكثير من الأحداث الدامية التي يندى لها جبين الإنسانية. وفي ظل هذا الترهيب والتغييب القسري والمخيف للمثقّفين والمفكّرين السوريين، فهل ولدت سوريا الجديدة بلا سوريا؟ أم أنها فقدت هويتها تمهيداً لإقصائها عن دورها الاستراتيجي العريق؟ هل نحن أمام أفغانستان جديدة؟ وهل وقع الطلاق بينها وبين لبنان أم أنها بداية العداوة بين البلدين الشقيقين؟
على أمل أن تتحلى الحكومة السورية الجديدة بالحكمة المنشودة لبناء سوريا الحداثة لتستكمل طريق العلم والثقافة والفكر.