هل سبق السيف العَذَل…؟

هل سبق السيف العَذَل…؟
لن نقفْ وقفة المتفرِّج حين تقع الواقعة لتطال أحدهم على الطريقة اللبنانية، إيماناً بضرورة إحقاق الحق والعدل وصون الحريات للأشخاص ولكراماتهم وعوائلهم، رغم الإيمان والدعم المطلق للقضاء اللبناني في مكافحته آفة الفساد والرشاوي، التي تطال كل مؤسسات لبنان من رأسها حتى أخمص قدميها، فيما تلفتنا هذه الفورة على وزارة التربية التي صارت مكْسَر عصا بعد أن تعَشْعش فيها الفساد والمحسوبيات، وبعد أن كُسِر لِجامها الطائفي والمذهبي كدرع حصين يمنع المساس بها، بعد أن تناول وحكم الوزارة قوى سياسية طائفية متنوعة، لم يستطع أحد أن يضعها في خانة حساباته بشكل دائم، ولذلك أخذت هذا البعد في طرح مِلفات الفساد داخل الوزارة، فالكل ينهش من لحم الغنيمة، وبمجرد أن تُكف يده، يتحول بقدرة قادر الى مكافح للفساد والسرقات، ويوزع شهادات عليا في الإستقامة وفي الحج والصوم والصلاة..
فاجأنا تسجيل صوتي لإحدى الصحافيات، في جريد لبنانية مرموقة كانت تتناول ملفات الفساد في وزارة التربية، وكان يتم على أساسها تحريك النيابات العامة للتحقيق وتوقيف المرتكبين، وهذا التسجيل الصوتي قد نُشِر على كل وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب، تطلب فيه الصحفية “فاتن الحج” المتخصصة في قضايا التربية والنقابات، من رئيسة دائرة الإمتحانات وأمينة سر لجنة المعادلات “أمل شعبان”، وتطلب فيه منها خدمات للطلاب الاجانب ومواعيد لطلاب عراقيين، لكن رُفض طلبها، وبعد هذه الحادثة وضعت “شعبان” تحت مجهر الإستهدافات التي تتناول سمعتها وقيامها بتغطية الفاسدين وقبض رشاوى.. وعليه نسوق بعض المعلومات من دون أن نجاري أو نتدخل في عمل القضاء، ولا من اجل إسكات الاصوات التي تعلو وتطالب بمحاسبة الفاسدين، لكن كل التجارب التي نمرُّ بها تفيدنا عن كمية الحقد والتجنِّي واللامبالاة، التي يسير البعض من الموظفين الرسميين، ومن النُّخب والصحفيين الراكضين وراء تبييض صورهم وصفحاتهم، او ما يتعلق بـ”سكوب” إعلامي علَّه يذكِّر الناس والرأي العام اللبناني من جديد ببطولاته ومآثره الخيرة:
أولاً، في قضية توقيف “أمل شعبان” وليس دفاعاً عن أحد، لم تأخذ قضية في لبنان هذا الحجم الهائل من الإستهدافات والإهتمام الإعلامي، ففي كل يوم تقارير مصورة ومكتوبة على شاشات التلفزة، وكأنها قضية تسببت بحرب غزة وخلطت أوراق الاقليم..
ثانياً، لاحظنا أن هناك نكايات في طلبات إخلاء السبيل وردها لـ”أمل شعبان” من قبل الإدعاء العام، رغم توافر الادلة وشهادات الشهود على عدم إرتكابها أي نوع من قضايا الفساد، ونحن نتكلم ونورد ما هو بين أيدينا ومعروف ويعرفه القضاء والشعب اللبناني.. فلماذا كل هذا التأخير في بت ملفها بإخلاء سبيلها؟ ولماذا كل هذه التقارير التلفزيونية بحقها في نشرات الاخبار؟وإذا ما خرجت “شعبان” من خلف القضبان، وهي حتماً ستخرج، من الذي سيمحي الذاكرة التي طالتها كل هذه التقارير المسيَّلة بحقها؟ومن يُعيد لها ويحفظ كرامتها وكرامة أهلها وناسها وعائلتها؟
ثالثاً،لم نجد في كلِّ مِلفات مكافحة الفساد في وزارة التربية ، مساراً جدياً وموثوقاً، إلاَّ مَنْ طالته الإتهامات وأوقوفوا في السجن ولا يزالوا، وهم بأغلبيتهم محسوبين على حركة أمل التي رفعت الغطاء منذ اللحظة الأولى، عن أي مرتكب مهما كانت صفته، أما باقي الملفات فهي مجرد كلام بكلام وإتهامات وتجنِّي بحق الناس وعائلاتهم وكراماتهم..
رابعاً،ربما والخشية من خلال هذا التأخير في بت طلب الاخلاء للمشتبه فيها “شعبان”، أن تكون قد وقعت_ وهو ما بدأنا نتلمسه_ ضحية تصفية حسابات قضائية وتعيينات في وزارة العدل، وهذا أمر مؤكد بعد ما شهدناه من تجاذبات طائفية ومذهبية تتعلَّق بالتعيينات في كل مراكز الدولة، حيث الكل يريد أن يضرب ضربته القضائية، لتحقيق إنجازات ربما لتؤهله لمناصب أعلى.. وهذه هي القطبة المخفية التي تقف خلف هذه المناورات…وإلا لكان وزير التربية قد أعفى على الفور “شعبان” من موقع وظيفتها متل باقي االموظفين المتورطين.لكن الوزير الحلبي بات متأكدا من براءتها ولذلك لم يتخذ اي قرار او اجراء بحقها..
خامساً، إذا كانت “شعبان ” مرتكبة فعلاً، فيجب إحالاتها بحسب بالاصول القضائية(ولسنا هنا لنحل محل القضاء)، أما أن يصدر بحقها قرار إخلاء سبيل وترك، وتبقى موقوفة لحين إجتماع الهيئة الاتهامية، وتترك الامور لتتحرك كل شياطين العالم، ويترك الموضوع للأخذ والرد والشد والجذب، وكأننا في حالة ضياع أو جنون، فهذا بإعتقادي وإعتقاد الكثيرين مخالف لأبسط شرعة حقوق الإنسان في حفظ كرامته..
فالقضاء يجب أن يقول كلمته الفصل بــ “عدْل”، وأن لا يترك قضايا الناس تدخل في متاهات التندُّر والتبصير، فَمَن إرتكب تتوجَّب محاسبته، فيما رهان الوقت لا ينفع احداً، سيما وأننا في لبنان أمام رهان كبير في إعادة تركيب البلد بما يليق بشعبه وناسه، وليس بما تريده وتفخر به مجاميع الطوائف والكيديات السياسية وخطابات الشعبوية.. فأطلقوا سراح “أمل شعبان” إذا كانت غير متورطة، وتبدو هي كذلك، وكفى تضليلاً ورهاناً على الوقت، فالناس ليست أرقاماً في دفاتر حساباتكم السياسية والمناصبية…
د.رائد المصري/أستاذ محاضر في الفكر السياسي والعلاقات الدولية.
صحافي لبنان وكاتب سياسي عربي ودولي.