‎ إيران وقدرتها في الردع النووي…

‎ إيران وقدرتها في الردع النووي
تحسَّب نتنياهو للردِّ على جريمته في ضاحية بيروت وفي طهران، فأراد توظيفها، لكن ما نراه اليوم هو أن إسرائيل معنية أكثر في تصعيد الموقف بالمنطقة، وهي تسعى الى ضرب إيران، خلافاً لكن من يرى عكس ذلك لأسباب موضوعية، فهذه دولة فيها قلق وجودي حقيقي لإعتقادهم، بأن إيران ستمتلك قنبلة نووية، وهذه قضية يجب أن تبقى بالأذهان، بغض النظر عن موقف تل أبيب من دعمها المقاومة في لبنان أو حركة حماس في فلسطين، فاقضية الأكثر جوهرية، هي أنه إذا إمتلكت إيران سلاحاً نووياً، وهي قررت فعلاً أن تمتلك السلاح النووي وهي قضية منطقية جداً في ظل الظروف الحالية التي تعيشها المنطقة.
ايران قادرة وبحسب التقديرات الإسرائيلية على تصنيع قنبلة نووية في غضون أسابيع عندما تتَّخذ القرار، وهي تحتاج من سنة الى سنتين حتى تصنع الجهاز الذي يُوصل الصواريخ الحاملة للرأس النووي، من هنا إسرائيل تريد حرباً. كان ذلك منذ أيام الرئيس الأميركا باراك أوباما، وكذلك الرئيس دونالد ترامب لكنها لم تنجح. فتل أبيب تعتقد أن التهديد لهيمنتها الوجودية للبقاء مستمراً، وليس من خلال الشرعية التاريخية، ولا من خلال الشرعية الدينية، فهذا كله أوهام وأساطير وهم يعلمون ذلك. فالقضية الأساس، هي القدرة على الغَلَبة والتفوق لكل من هم في المنطقة، يعني أن تكون قوة اسرائيل معادلة لمجموع قوة كل دول المنطقة ومتفوقة أكثر.
وتل أبيب الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي، ومن ميزاته أنه يضع الطرف أو الأطراف قبالة بعضها البعض بشكل متساوي، وهنا فقط تتغيَّر اللعبة، بأن لا يستطيع أحد ضرب الآخر والإعتداء عليه، رغم انه من الممكن أن تستخدم أدوات غير مباشرة في الصراع، والمتواجدة داخل دول المنطقة من خلال ضربات محدودة، لكن الحقيقة أن كل طرف نووي يعرف أنه قادر على تدمير الآخر، وبالتالي إنتهت فكرة أن تل أبيب سيدة في المنطقة، وهذا ما يفيد في تسريع طاولة التفاوض اذا ما إحتدم الصراع.
الذي تفعله ايران اليوم، هو أنها تريد إمتلاك السلاح النووي، والذي تريده إسرائيل هو تدمير البنية التحتية لإيران، قبل ان تصنع طهران القنبلة النووية، حتى لو إضطرها الأمر لجرِّ امريكا الضعيفة اليوم والمنكسرة من دون رئيس حتى. أميركا كلها عرجاء اليوم والرئيس جو بايدين لا تُسمع كلمته، ولا هو قادر على إتخاذ القرارات المناسبة، وبالتالي اسرائيل تريد ان تُبقي على التميُّز الإستراتيجي، ولذلك هي تريد أن تستمر في محاربة ايران في المنطقة، فهذه مسألة أو معادلة إسراتيجية رقم واحد.
المعادلة الثانية، هي أنه لو إفترضنا أن غزة لم تعد خطراً على اسرائيل، وأنه ممكن الوصول الى تسوية معها لتخرج غزة من الصراع .. لكن تبقى لديها معضلة متعلقة بحزب الله أو بنزع سلاحه، فإسرائيل ترفض حتى الدول المطبِّعة معها، أو شكلت حليفتها، بإمتلاك أسلحة خارقة وكاسرة للتوازن أو مساوية لما تمتلكه، فهو حساب جيوستراتيجي بإمتياز، بإقتصار إمتلاك السلاح المتفوِّق بيد تل أبيب وكل ما عدا ذلك فهو عدوها اللدود. إذن فلا زال عند الإسرائيلي بعْبُع كبير جداً، اسمه سلاح حزب الله الموجود في لبنان، وسلاح المقاومة في العراق واليمن، وهذه هي المشكلة في أن تقاتل اسرائيل على عدة جبهات، وهذا وضع غير معقول في علم الصراع الجيوسياسي، وهو مناقض لفلسفة وجودها الاول المتعلِّق بالتميز التام .
فإسرائيل لم تنتصر إلاَّ بالرعب وبالصدمة العسكرية المتوحشة ضد الشعوب والمدنيين في العالم العربي، فهذا الرعب قد إنكسر والناس ستجرب نقل هذه العدوى أو الأمثولة الكفاحية في مواجهة إسرائيل. فهي باتت فاشلة عسكرياً بالنسبة لصانع القرار الإستراتيجي، سواء كان نتنياهو أو غيره، معنى ذلك أنه لها حسابات استراتيجية، وتعني أن اسرائيل تريد حرباً، بالمقابل إيران تعرف أن تل ابيب تريد حرباً وتصعيداً، وطهران لا ترغب به، لأنها تدرك أنها لم تصل الى الدرجة من القوة التي تستطيع فيها ان تكسب المعركة، بسبب أن السلاح الذي سيقدم الى اسرائيل هو سلاح أمريكي أطلسي وغربي متفوق.
فلو كانت إيران تملك قنبلة نووي كما كوريا الشمالية لتغيَّرت كل الحسابات، فإيران لا تريد حرباً الآن، والرد الايراني على الهجمات الإسرائيلية سيكون رداً له علاقات بشكليات معينة .. فلن تفتتح طهران حرباً إقليمية أقلّه من خلال التحليل العلمي لفهم واقع الحال، وموازين القوى المجردة في المنطقة، حيث أن ايران تريد أو يلزمها فترة من الزمن، لإنهاء مشروعها النووي، وكذلك اسرائيل تريد أن تسرِّع الحرب ضدها، من أجل أن تمنع ايران من إستكمال المشروع النووي، فليس من مصلحة أيران الدخول في حرب مفتوحة،
كما أنه ليس صحيحاً ما يقوله نتنياهو عن كون إسرائيل مستعدة لكل السيناريوهات دفاعاً وهجوماً، فهي صارت عاجزة عن الدفاع عن نفسها من مواجهة هجوم مركَّب من عدة جبهات، وهي خسرت قوة الردع، وكل محاولاتها لإستعادة ما تسميها استراتيجية ردعها المتراكم اصطدمت بواقع جديد صعب.
وليس أهم من الرد سوى تحديد وظيفته، فيكون بالعقاب على تجاوز الخطوط الحمر، وهو الوحيد الكفيل بكشف هشاشة إسرائيل، وبجعلها في حاجة إلى حماية أميركية لا أحد يعرف إلى متى تدوم، فالمؤكد أن نتنياهو لا يريد التهدئة التي تريدها العواصم الدولية، والواضح أن الجهود الدبلوماسية المبذولة حالياً لخفض التوتر غير ناضجة، لكن الدبلوماسية حتماً ستجد فرصتها بعد التصعيد العسكري في الرد والرد على الرد،إذن لا أجوبة حاسمة حيث اللعبة تجاوزت حرب غزة، ولا مجال في صراع المصالح الإقليمية والدولية لإختصار المنطقة بالصراع بين إسرائيل وإيران، والساحة ليست فقط للاَّعب الأميركي وحده بمعزل عن اللاعبين الصيني والروسي.
د.رائد المصري/أستاذ محاضر في الفكر السياسي والعلاقات الدولية.
صحافي لبناني وكاتب سياسي عربي ودولي.